احسبها صح.. تعيشها صح

وفـّر.. دخـّن.. ادفع.. واستناها.. هتطلّع قماش!

بعيداً عن التنظير والمقدمات التي تعمل لنا البحر طحينة -وبالمناسبة الطحينة بـ17 جنيه!- سأدخل في الموضوع مباشرة. طالما أننا لم نعد نتحمل شظف العيش أبو ردة وخيط التنجيد، ولا نرى غير المساوئ والبلاوي، ولا نسمع غير طلقات أعيرة نارية من الدقي لأسيوط تخرج وحدها من ماسورة طبنجة ضباط لتصيب وتقتل، وطالما أننا صرنا نأكل وننسى كالقطط التي تشهد في مصر.. وفي مصر وحدها.. تحولاً بيولوجياً نادر الحدوث حيث إنها صارت من الحيوانات آكلات العشب نظراً لتقلص عدد الفئران التي صار لها استخدامات أخرى مُتبّـلة!، لابـد لنا من وقفة ليست على غرار "وقفة مصرية" نحاول فيها إعادة قراءة الواقع.

فالأرجح أن العيب في القراءة الأولى والتي أشكك في دقتها نظراً لإصابة الكثيرين وأنا واحدة منهم مؤخراً بالتهاب في الجيوب الأنفية التي تسبب صداعاً وتؤثر على الرؤية فتصبح مترّبة و"مغبّشة". فليس من المعقول أن تكون الحكومة هي المسئولة وحدها.. ووحدها فقط.. عن التردي الذي آلت إليه أحوال كل شيء ابتداء بالبني آدم المصري انتهاء بالفئران.. مستحيل.. فكما صرح "مجدي الدقاق" رئيس تحرير مجلة الهلال وعضو لجنة التثقيف في الحزب الوطني، بأن مصر ليست مشارِكة ولا مسئولة عن حصار غزة ولم تهدم بعض الأنفاق وتطلق غازات سامة فيها، وأن الفلسطينين هم المسئول الأول والأخير، وفك الحصار لن يكون مهمة أحد غيرهم!! إذن زيتنا في دقيقنا –وبالمناسبة سعر الدقيق انخفض كثيراً في العالم وقليلاً في مصر- وكما أن المشكلة عندنا وفينا فلا بد أننا لنا يد فيها كما أننا سنستطيع حلها كما سيفعل الفلسطينيون!!

تفتق ذهني على هذا الخاطر مع ازدياد حدة آلام التهاب الجيوب الأنفية وعدم وضوح الإبصار وبالتحديد عندما رأيت حملة "احسبها صح.. تعيشها صح" في التليفزيون ووقعت عيني على الإعلانات التي غطت بعض الأماكن -المحور لسـه- حيث إن الحملة تهدف باقتدار لتربية حس التدبير لدى المصريين المسرفين بطبعهم.. هذا من وجهة نظر المسئولين عن الحملة. فبالتدبير فيما لا يلزم، تستطيع أن تدبر ما يلزم وتملك ما يكفيك من كل شيء. فمثلا.. مثلاً يعني.. استطاعت مدام "سين" أن تشتري لابنها كتاباً بعدما وفرت في الدواء. فبدلا من أن تشتري علبة دواء كاملة لا تحتاجها وينتهي تاريخ صلاحيتها فلا تكون صالحة للاستخدام فيما بعد، تشتري شريطاً واحداً فقط. ومن أطرف الطرائف أن الأستاذ "صاد" وفـّر في السجاير، نصف علبة واحدة في اليوم، واستطاع أن يشتري شبكة لخطيبته باعتبار أن جرام الذهب بعلبتين مارلبورو!

لا غبار على مبدأ التوفير وعدم الإسراف، لكن كيف يكون التوفير في حاجة من حاجات وضرورات الحياة لتلبية حاجة أخرى مع العلم بأن كل الحاجات ليس لها تسعيرة كما أنها تخضع للذمم؟! وماذا لو أن أسعار كل الضرورات مرتفعة جداً أصلاً مع عدم توفر مواصفة واحدة من مواصفات الجودة أو حتى مواصفات المنتج العادي؟!!

هذه نقطة.. أو بالأحرى علامة استفهام. أما علامة الاستفهام الأخرى فهي ليست سؤالاً أطرحه لكن إعلانا رأيته في إحدى الجرائد عن الحملة. ها هو:

علاوة على السعادة والرضا الكاذب الذي يعلو وجه الرجل، تتصدر الصورة قائمة بالمصروفات الشهرية، ومجموعها 200 جنيه في الشهر لعامل يعول أسرة مكونة من ابنتين -تنظران بسعادة للثلاجة في خلفية الإعلان!- في حاجة للـ200 جنيه وبجانبها عدة أصفار في حالة زواجهما. وفاتورة الكهرباء التي تأتي 30 جنيهاً تكون لأعزب يسكن وحده، يعمل نهاراً وينام ليلاً والكهرباء ساكنة في الأسلاك. لكن لو أسرة متوسطة الدخل مكونة من خمسة أفراد ولا تملك سخاناً كهربائياً ولا غلاية كهرباء ولا بوتاجاز كهربائي أو مكنسة وبالطبع ولا غسالة فل-أوتوماتيك، لكن لديهم مكواة ومروحتين، تأتيهم الفاتورة 80 جنيهاً في شهر سبتمبر ونوفمبر. يعني الخريف، حيث يتم الاستغناء عن سبل التهوية والتدفئة فلا مروحة ترطب ولا مدفأة تحرق. وكيف تكون مواصلات أسرة 20 جنيهاً في الشهر؟؟! لو طفل في مدرسة ومواصلاته للمدرسة نصف جنيه يعني جنيه في اليوم دون حساب لعصير أو أي ظرف طارئ، سيتكلف مواصلات 30 جنيهاً وحده. أما العلاج فممكن لا يتعدى 30 جنيهاً فعلاً لو اقتصر على مسكّن ريفو ضعيف المفعول!

أقـّر بأنه علينا التدبير قدر الإمكان وبأن نحسبها صح لنعيشها ممكن.. احتمال.. لكن هذا النوع من التدبير الموجود في الحملة لا يعني "احسبها صح.. تعيشها صح". إنما "وفـّر كل شيء فيكون لديك كل شيء.."!! واحسبوها صح بقى ولترفعوا اللافتات من الشوراع وبتكلفتها دّعموا رغيف العيش ونظفوه من شنب الصراصير... يا حكـومة

ميرسي

مشكورة يا لف مون

مشكورين على المرور يا
سويت لف
ويا جنات

ميرسى يا لف مون

مشكورة على المرور يا
همسة شوق